Thursday, March 29, 2007

جمال البنّا: هل هو مفكر إسلامي أم علماني؟ : الحلقة الرابعة


جمال البنّا: هل هو مفكر إسلامي أم علماني؟
الحلقة الرابعة
[بقلم: محمد إبراهيم مبروك]
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا يتبنى جانب كبير من العلمانيين العرب الآن نفس التوجهات الأمريكية بالنسبة للإسلام والعالم الإسلامي خصوصا إذا كان الذين يقودونهم هم بعض الماركسيين القدماء الذين كانوا على التناقض – فيما هو معلن – لعهود طويلة مع الفكر الأمريكي فغدوا الآن براجماتيين كاملين؟.الأمر في الحقيقة لا يتعلق كثيرا بما تقتضيه الموضوعية الفكرية أو الوعي بمتغيرات الواقع وانعكاسات ذلك على التطوير الفكري للآراء والمذاهب الفلسفية لكي تتوائم مع ما كشفت عنه تجارب الشعوب من حقائق واحتياجات جديدة إنما الأمر يتعلق عندنا في عمومه بقوم رأوا في الانتماء للماركسية السبيل الوحيد لتحقيق ذواتهم في عصر كانت الدعوة فيه إلى الفكر الماركسي قرينة بالدعوة إلى العلمية والعقلانية والنضال والشرف والحقيقة ذاتها.. وسريعا ما ارتقى الذين انغمسوا في هذا الفكر إلى أعلى المناصب ونالوا أعز الأوسمة وصاروا روادا للفكر العربي المعاصر. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال ما كان للفكر الماركسي من مكانة وسند وجد هؤلاء الماركسيون مكانتهم في أجهزة الثقافة والإعلام كقادة مميزين للفكر العلماني لهم سمعتهم الخاصة في العداء المتطرف لحركة الإسلامية.وبحسب نظريتي عن تفسير الصراع العالمي والتي طرحت في كتابي (الإسلام والغرب الأمريكي) فإن هذا الصراع يؤول باطراد إلى الاستقطاب الشديد بين طرفي نزاع هما الإسلام والغرب الأمريكي أو بوجه أكثر دقة إلى الصدام بين الرؤية الإسلامية للوجود التي تعلم على تلبية الحاجات الإنسانية الدنيوية المادية والروحية معا بالطريقة التي تؤدي إلى سعادة الإنسان في الآخرة. وبين الرؤية المادية البراجماتية الأمريكية التي تتمحور حول المنفعة واللذة وإلهاء الإنسان عن الإجابة عن الأسئلة المصيرية للوجود. وفي ظل هذا الاستقطاب فلابد أن يلتقي هؤلاء العلمانيون والماركسيون القدامى مع التوجهات الأمريكية في العداء للفكرة الإسلامية ولمن يحملون مهمة الدعوة إليها.ولابد أن تتوقع أن مآل دعاة التقارب بين الإسلام والعلمانية سيكون في النهاية هو الانضمام إلى المعسكر الأمريكي. وبناء على ما سبق فقد كان من الطبيعي أن تدفع جريدة القاهرة الأستاذ جمال البنا إلى إصدار هذا المانشيت العريض: (ندعو الله أن لا تنهار الحضارة الأمريكية لأنها رائعة رغم كل لوثاتها). ثم ليبطل الجهاد في الإسلام في خطوة تالية ثم ليقرر في خطوة أخيرة ضرورة الإستجابة للتدخل في تغيير المناهج الدينية في مدارسنا حيث يقول في ذلك: "إذا لم تقابل الأفكار الأمريكية بحساسية مرهفة أو بحماسة طائشة أو بمعارضة مبدئية على اساس أن هذا تدخل في صميم الأمور الداخلية في الدولة.. إلخ. فأي الموضوعات يظن أنهم يريدون الحديث فيها..؟يبدو أنها موضوعات مثل الحقوق الأساسية للإنسان والديمقراطية وحرية الفكر وقضية المرأة، وكذلك تلك الأفكار التي اشاعتها جماعات الرفض مما ليس له أصل في الإسلام مثل الجهاد كوسيلة لنشر الدين أو الإبقاء على نظم قديمة عفى عليها الزمن – ولم تكن أصلا من الإسلام" (القاهرة: 10 سبتمبر 2002).ترى هل يهم الأمريكان في شيء تطوير التعليم الديني من اجل قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الفكر وقضية المرأة وهم الذين يعملون على مساندة ودعم الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة لنها الأنظمة الوحيدة التي يضمنون استمرار تأييدها للتوجهات الأمريكية من أجل الحفاظ على تلك المساندة والدعم وهو ما يعترف به مارتن أنديك (السفير الأمريكي السابق في إسرائيل وأحد أهم مستشاري السياسة الأمريكية الآن) فيقول: "في الماضي ساد إدراك بأن ديناميات التغيير في المجتمعات التقليدية يمكن أن تفضي إلى زعزعة الاستقرار. وطرحت واشنطن الخيار إما بين الفساد أو الفوضى.. وأختارت مساندة حكومات فاسدة لأنها خشيت من سوء عاقبة البديل على المصالح الأمريكية". ومن ثم فليست هذه هي القضايا الأساسية التي تهم القيادات الأمريكية في تعليمنا الديني وإنما الذي يهمهم في ذلك هو جوهرها العقائدي الذي يحتم الصدام بين الرؤية الإسلامية والرؤية الأمريكية البراجماتية في الوجود والذي يربط رباطا عضويا بين إيمان الإنسان وبين التطبيق العملي له على الواقع الأرضي خصوصا في مجالي نظام الحكم والجهاد ضد اعداء الإسلام "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه". "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا".ولذلك يركز الغربيون على مواجهة بعض الدعوات الفكرية بوجه خاص مثل الوهابية، وغاية ما في الوهابية أنها تركز على غرس العقيدة الإسلامية بنقائها وصفائها في نفوس الناس وليست لها موقفا خاصا من الأمريكيين أو غيرهم من أجناس البشر. لكن المشكلة التي يعيها الأمريكيون أن ذلك الغرس العقائدي سريعا ما يبرز التناقض في نفوس الناس بين الإيمان بالله في الإسلام والارتضاء بالنظم العلمانية الغربية في الحكم، وبين ذلك الإيمان وبين عدم جهاد الاحتلال الصهيوني لبلاد المسلمين.. ومن ثم كان تركيز الأميركيين على إضعاف هذا البعد العقائدي في التعليم الديني للمسلمين. ولكن المشكلة تبلغ عمقها في اعتقاد هؤلاء أن الأمر أمر كمي قابل للتجزئة، ومن ثم إمكانية التفاوض على بعض أجزائه، ويتجاهلون أن أي فصام بين إيمان الناس الاعتقادي وتطبيقه العملي في بعدي النظم الحاكمة والجهاد ضد أعداء الإسلام، هو أمر يعني القضاء على إيمان الناس ذاته بالإسلام. ومن ثم فمن غير المعقول مطالبة الناس بالتخلي عن إيمانهم ذاته إرضاء للغرب وإن كان هذا يرضي أشد الرضا دعاة العلمانية عندنا ومن هنا كان التقاء الهدف بينهم وبين الأمريكيين. ولهذا ينشط أمثال جمال البنا في الدعوة للاستجابة لمطالب الأمريكيين في تغيير المناهج الدينية ويعلن الرجل للاسلاميين أنه ليس أمامهم الآن سوى قبول دعوته لما يقدمه لهم من إسلام بلا إسلام. أي إسلام بلا قواعد ولا شرائع ولا أحكام بل مجرد بعض الشعائر بحسب المزاج والطلب.. ومن ثم فإنه يرى أن المعترضين على هذا الطلب الأمريكي "لن يعسر عليهم أن يأتونا بنصوص من أقوال الفقهاء توقع عقوبة الموت على المرتد وتقرر مصادرة كل فكر مختلف.. ولن يعسر عليهم أن يقدموا نصوصا عن دونية المرأة وفرضية الحجاب عليها وتحريم المناصب العليا.. أما الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني فإنها بالطبع ستكون في صدارة ما يقدمون" (القاهرة: 10 سبتمبر 2002). والدليل على أنه يعلن للاسلاميين بل للمسلمين عامة أنهم ليس لهم سوى قبول ما يتفضل علينا به من إسلامه العجيب هو أننا لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا تجاه الأمريكيين لأن ما يعترضون عليه "هو بالفعل أقوال أئمة المذاهب وفقهاء السلف الصالح فإذا أعادته المؤسسات الدينية فإن ذلك سيكون مصداقا لاتهامات الأمريكيين وهذا هو المأزق الذي سيجد فقهاؤنا أنفسهم فيه وكانوا في غنى عنه ومخلص منه لو" وأقف هنا وأقول : لو ماذا؟ لو ألغينا عقولنا واعتقدنا أن الإسلام الذي يقدمه جمال البنا ومن يقف وراءه من غلاة العلمانيين الحاقدين له أدنى علاقة بالإسلام. ذلك الإسلام الذي بلا تفسير ولا سنة ولا قواعد للحكم ولا جهاد في سبيل الله ولا حد ردة ولا حد زنى ولا حد سرقة ولا قصاص ولا حجاب ولا صلوات خمس وإنما صلاتان فقط ولا شعائر ذبح ولا شعائر ذكر ولا أي شيء على الإطلاق من قواعد الدين وأحكامه وهذا الذي يكمل به كلمة لو فيقول" لو أخذوا بما عرضناه مرارا وتكرارا وما سجلناه في "نحو فقه جديد" و"الإسلام وحرية الفكر وعشرات الكتب الأخرى" (نفس المقال السابق).وربما كان البنا قد أعلن عن علمانيته بوضوح لما أثار اهتمام أحد ولفات على العلمانيين ما يحققونه الآن من ثمار إنتشار هذه الأفكار الشاذة. ولهذا انصب اهتمامنا هنا على تجريد أفكاره من تلك الصفة الإسلامية بوجه خاص وتقديم الأدلة والبراهين على ذلك ليكون التركيز على نفي هذه الصفة هي المهمة الأساسية لمن يواجهون بمثل تلك الأفكار من قبل بعض المدعين من العلمانيين استنادا على جمال البنا.ولا يهمنا بعد ذلك تتبع افكار الرجل والعمل على دحضها ليس فقط لهشاشتها وبعدها عن العمق ولكن وقبل ذلك أنه لم يقبل الاعتراف بأية معايير يمكن الاحتكام إليها. فكيف يمكن تقديم إقامة حوار موضوعي بلا معايير ضابطة؟ إن غاية ما يمكن أن يقدمه تيار أكذوبة الفكر الإسلامي المستنير هو الإجتهاد في إبداع تأويلات احتيالية جديدة يمكن بها تقديم الأفكار العلمانية للناس باسم الاسلام وهو الأمر الذي يقتضي كشف هذه الاحتيالات الجديدة من جانب الإسلاميين وتكون النتيجة هي ضياع جانب كبير من الجهود الفكرية للأمة في كشف هذا الاحتيال الأمر الذي يعبر عن مدى ما نمر به من انحطاط فكري في هذه المرحلة. فالفضيلة الأساسية لصراع الأفكار هو التطور الفكري، ولكن السمة الأساسية لذلك الفكر الاحتيالي هي الوهن الشديد لأنه يدور في منطقة الزيف المقطوعة الصلة عن الأعماق الحقيقية لاهتمامات الإنسان. وهو الأمر الذي يجعله يؤثر سلبا على التطور الفكري للمفكر الذي يناقشه. ولذلك فأنا أعلم جيدا أن الكثيرين من المفكرين الجادين حتى العلمانيين منهم سيلومونني على قيامي بهذا الدور ولذلك فأنا أعترف أنني فعلت ذلك قياما بواجبي الدعوي وليس الفكري وأحتسب عند الله ما أصاب فكري من عور نتيجة تلك المعايشة الطويلة في مناقشة فكر جمال البنا وتيار الفكر الاحتيالي بوجه عام.

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home